الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

ظواهر الكائنات الحية

















1- الانجذاب والتأثير :
الانجذاب الحركي للكائنات النباتية الثابتة ميزة مبتكرة وضرورية للتجاوب مع المتغيرات البيئية والطبيعية والظروف الطارئة ويمكن أن يحدث الانجذاب والتأثير في مجالات مختلفة ومتعمقة في الوجود الحي ، فإذا توافق انجذاب الكائن مع المنبه يسمى انجذاباً موجباً وإذا ابتعد عن المنبه يسمى انجذاباً سالباً ، والقضية الأساسية في الانجذاب هي تركز النمو في منطقة الجذب السريع وإحداث إنقسام سريع للخلايا الحية بما يؤدي إلى تطاولها الفوري والسريع . و يمكن أن يحدث الانجذاب باتجاه مصدر الشمس فيسمى في هذه الحالة بالانجذاب الضوئي ، وقد يحدث الانجذاب نحو الجاذبية الرضية فيسمى بالانجذاب الأرضي ، وفي عالم النبات مسائل كثيرة ومتنوعة تؤكد علاقة الكائن بالانجذاب والتأثير بالظواهر المختلفة ، فنبات عباد الشمس تتجه وروده باتجاه دوران الشمس وتتفتح أزهار الورد الجبلي نهاراً وتقفل مساءً وورد عطر الليل تتفتح ليلاً وتتوقف عن إفراز رحقيها نهاراً ، وهناك نباتات تتأثر بحاسة اللمس فحشيشة الندى التي تنمو في المستنقعات الفقيرة بالآزوت تتغذى على بعض الحشرات من خلال إفراز مواد لاصقة على أوراقها تشبه حبات الندى فإذا ما وقفت عليها حشرة التصقت بها وتنكمش وريقاتها لتنطبق على الحشرة وتقوم بامتصاص محتوياتها وإذا ما وضعنا عليها الحصى فإنها لا تنكمش ، بما يؤكد بأن الانجذاب والتأثير لديها موجه قائم على نوعية العوالق على أوراقها .
فالحركة الموجهة قائمة في النباتات وبعض خلايا الكائنات الكثيرة الخلايا مثل خلايا الجهاز التناسلي الذكري أو ما يسمى بالحيوانات المنوية فإنها تنجذب في الوسط المناسب باتجاه البيضة .
فأي مصدر للحرارة قد يجذب إليه الحيوان الهدبي أو الآميبيا وعندا ترتفع درجة الحرارة أكثر من قدرة الكائن على التحمل فإنه يقوم بالانجذاب العكسي مبتعداً عن مصدر الحرارة ، فالانجذاب والتأثير هما أبسط أشكال الانفعالات لدى الكائن الحي والوسط المحيط به ، وهي من أبسط أنواع التكيف الملائمة للتغيرات الجارية في الوسط الخارجي ، إنها ظاهرة عمقت وجودها أثناء عمليات التطور التاريخي لهذه الكائنات الحية في الأوساط المناسبة ، إنها الصورة البدائية والأساسية لوظائف الجهاز العصبي .
2 - غرائز الكائنات في مجال نشوءها:
الغريزة صفة وراثية مقعدة تحمل الكائن الحي للقيام بأعمال ضرورية لبقاءه حياً ، ومن خلال الغرائز تحافظ الكائنات على تفردها النوعي في وسطها الطبيعي ، فهجرة الكثير من الأسماك لمسافة آلاف الكيلومترات لوضع البيض هو نشاط غريزي غايته تأمين النوع وتكاثره ، وفي مجال الطيور توجد غرائز غنائية مقعدة تقوم بها الذكور في موسم التزاوج ورعاية الأعشاش ، فالتلازم الغريزي في حياة الكائنات الحية يجعلها اكثر جدارة لمطابقة الحياة مع نظامها الذاتي . فالطائر البستاني في نيوزيلاند يبني تعريشة على شكل خيمة أو مظلة ويهندس أمامها حديقة صغيرة يزينها بالأزهار الطازجة ذات الألوان الزاهية والثمار والريش الملون والحشرات ، إنها فعالية فائقة غايتها جذب الأنثى إلى بيت الزوجية والإنجاب .
وهناك أعمال باهرة يقوم بها الطائر الاسترالي بالميلي ، حيث يعمل حفرة عمقها حوالي متر وعرضها خمسة أمتار يضع فيها الأوراق الرطبة ويغطيها بالرمل ، وفي أوقات الحرارة العالية من السنة تتفعن الأوراق وترتفع درجة حرارتها وتسخن الرمال فوقها وعند انخفاض الحرارة إلى المعدل الضروري تقوم الأنثى بوضع البيض على الرمال ، ويقوم الذكر بتقليب الأوراق لتأمين واقع حراري مناسب ، فإذا انخفضت الحرارة قام برفعها بسلوك معين وإذا ارتفعت يقوم بخفضها بسلوك أخر ليحافظ على درجة حرارة ثابتة قادرة على تأمين فرص تشكل الأجنة داخل البيوض ، وإذا ما تدخل الإنسان لرفع درجة حرارة الرمل في الحفرة بالتسخين الكهربائي فإنه يقوم على الفور بتبريدها وعندما يعجز عن ذلك فإنه يهجر العش ويذهب .
وهذه الغرائز المقعدة والمتطورة تجلب منافع كثيرة للناس حيث يقوم النحل غريزياً بجمع رحيق الأزهار والورود طول فترة الإزهار ويقوم بتخزينها عسلاً لذيذاً وغذاءً مفيداً للإنسان ، وهناك نوع من النمل الأبيض يقوم بفلاحة الأرض وتسميدها بنفاياه ويضع عليها ميسيليم الفطر ومع نمو الفطر يقوم النمل بالتغذية عليه ، وعندما تطير إناث النمل للتقليح لأول مرة تأخذ معها قطعة صغيرة من الفطر لكي تجذب الذكور نحوها .
فالغرائز هي صفات معقدة للحيوانات نابعة من الضرورات الحية لوجودها وتطورها والمحافظة على حياتها الخاصة ولكل نوع غرائزه الخاصة به ، فقد نشأة هذه الغرائز وفقاً للضرورات البيئية والحيوية للكائن الحي وهي بفاعليتها النوعية والمحيرة قادرة على إعداد التكيف المناسب للكائنات مع الوسط الطبيعي في مجال النشوء الحي .
3 – بعض أشكال الحركة والتحرك عن الكائنات الحية :
التغيرات الحركية تغيرات تلاؤمية تتوافق مع أوضاع الكائنات الحية المختلفة ، والنظام الحركي يميز الكائنات بفعل حركتها ومدى عمق تطورها وتكيفها مع المحيط حولها ، لأنه يعزز القدرة الضمنية للكائنات الحية في مدى تجاوبها للمؤثرات الخارجية وعمق بنيتها الفاعلة ومدى قابليتها لتقبل المتغيرات الطارئة على بنيتها العضوية .
هناك أشكال من الحركة البسيطة لدى الكائنات البسيطة نابعة من عوامل بيئية كحركة الرياح واندفاع الماء ، إنها الحركة المتزامنة مع نشوء عوامل طبيعية مساعدة لحركتها في الوسط التي تعيش فيه .
وهناك كائنات تمتلك مقدرة على الحركة النشيطة والفاعلة مبنية على الاستقلالية النسبية والكلية وهي تخص جميع الحيوانات القادرة الاعتماد على نفسها في تأمين مطالبها الضرورية .
فلو انطلقنا من اسفل البنية الحية باتجاه الصعود ، لوجدنا بأن بعض الكائنات الدقيقة مزودة بزوائد تعطيها القدرة على الحركة والانتقال مثل الحركة الأميبية التي تنتقل اعتماداً على أرجل كاذبة وهي نتوءات تفرزها السيتوبلازما تكب فيها محتويات الخلية .
والنوع الأخر من الحركة هي الحركة بواسطة الأهداب وهي متأصلة في كل الحيوانات الهدبية مثل الباراميسيوم وهي عبارة عن زوائد رفيعة جداً يقوم بحركة تشبه حركة مجاذيف الزورق لتعطيها اندفاعاً نحو الأمام ، تليها مباشرة الحركة السوطية وهي الحركة بواسطة الأسواط ، والسوط عبارة عن عضو أولي يتحرك تلقائياً ليدفع الكائن نحو الأمام ، وهو يختلف عن نظام الأهداب كونه يلتف حول السائل بشكل دائري ويجر ورائه جسم الحيوان ، إنها حركة تقوم على الإحاطة والجر .
أما الحيوانات الأرقى فإنها مجهزة بأعضاء حركية مقعدة تقوم بأداء حركات مختلفة ومتباينة ، غير أن العلاقة بين الوسط والكائن علاقة متداخلة ، لأن الوسط الحاوي على الكائنات الحية يميز حركتها وفقاً لطبيعته ، فالوسط المائي يعزز القدرة على نمو وتطور أعضاء خاصة بالسباحة كالزعانف مثلاً ، وهناك كثير من الحيوانات تعيش على سطح الأرض طورت خصائص عضوية تمكنها من القفز المتواصل والسريع مثل الجراد والضفدع والكنغر ، كما أن القرود مجهزة بأعضاء متطورة جداً تساعدها للتسلق على الأشجار وهي أطراف ماسكة ، كما أن الحشرات والطيور لها أجنحة تساعدها على الطيران والتحرك السريع في الجو ، أما أرقى الكائنات الحية وهو الإنسان فإنه مزود بأرجل للمشي والتنقل السريع وأيدي ماهرة تقوم بإدق الأعمال وأكثرها صعوبة ، فقد قامت بإنشاء السدود والطرق وإقامة المدن الضخمة ، وقامت باختراع أدوات إلكترونية مقعدة وحاسبات ذكية وصنعت مركبات تجوب الفضاء ورسمت اجمل اللوحات وعزفت أعذب الأنغام ونسخت أعداد هائلة من الكتب في مختلف ميادين المعرفة الإنسانية .
4 – القدرة على التجدد في نظام الكائنات الحية :
القدرة على التجدد من خصائص الوجود الحي لأن طبيعتها البنيوية تمتلك فعالية ذاتية تمد الكائن الحي بالتعويض الدائم للأجزاء التالفة من وجوده وبالتالي إمداده بالنشاط والحيوية المنطلقة من بنيته ، ويمكن أن نلاحظ نوعين من التجدد عند الكائنات الحية .
أولها التجديد الوظائفي ويقوم على استبدال الخلايا التالفة والمستهلكة أثناء عمليات النشاط الحيوي لمهامها الأساسية ، فالتكوين المستمر لخلايا الدم والطبقات السطحية من الجلد تمد الكائن الحي بقدرة فائقة على التكيف والاستمرار في الحياة مدة أطول أن صناعة البدائل الحية تساعد على ردم الفجوة الحاصلة في حياة الكائن وتمده بالطاقة الضرورية للحياة .
وثاني هذه الوظائف هو التجديد الإصلاحي والتعويضي ، وهو التعويض الناتج عن فقدان الأعضاء التالفة أو المبتورة ، فالتعويض ظاهرة عامة تلازم كافة الكائنات الحية ولكن بصورة متباينة ، فكلما زادت الأحياء تعقيداً ضعفت قدرتها على التجديد والتعويض ، في الأحياء الدقيقة يتم تجديد أعضاء كبيرة من جسمها ، فدودة الأرض تمتلك إمكانية تجديد قسم كبير من جسمها ، والكثير من الأحياء كالديدان المفلطحة والمفصليات والشوكجلديات تمتلك مقدرة عالية على تجديد القسم الأعظم من جسمها ، فقنديل البحر يمكن تجديد كامل جسمه من زراع واحد ، أما الحيوانات الفقارية فيمكنها تجديد عضواً بأكمله فالسمندر والسحالي تنقذ نفسها بقطع الطرف أو الذيل الذي يمسك به العدو وتقوم على تعويضه من جديد ، أما الحيوانات الثديية فيمكنها أن تجدد تلف بعض الأجزاء الداخلية من جسدها مثل الكبد والطحال والمعدة ، ومع تطور الأبحاث الجارية في ميدان الهندسية الجينية فقد يتوصل العلماء إلى إمكانية إنتاج أعضاء بكاملها ويمكن أن يتوصلوا على إمكانية تخليق أحياء راقية ومتطورة تمتلك مقدرة على التجديد الذاتي والتعويض التلقائي لأجزاء كاملة مفقودة من جسمها ، فالإمكانيات العلمية في تزايد والقدرة على الاكتشاف مستمرة ونامية باستمرار والعلم يتطور ويمتلك إمكانيات التوصل إلى فعاليات عالية في مجال العلوم الطبيعية وتنظيم مجال النشوء الحي .
5 – التكاثر في نظام الأحياء :
التكاثر هو أحد الصفات الضرورية للكائنات الحية غايته الأساسية هي الحفاظ على النوع واستمراره في مجال النشوء الحي ، وهناك نوعين من التكاثر في نظام الأحياء .
أولها التكاثر اللاجنسي وتقوم آليته على فصل الجسم الوليد عن جسم الأم بالكامل ليتابع وجوده في الوسط التابع له ، وفي الحيوانات الكثيرة الخلايا يتكون جسم الوليد من مجموعة من الخلايا التي كانت جزءً من خلايا الأم ويمكن أن ينتج عدد كبير من الأبناء عن عائلة الأم الواحدة وهذا النوع من التكاثر منتشر في الكائنات الحية البدائية .
أما الثاني فهو التكاثر الجنسي وينتج عن اندماج خليتين جنسيتين خاصتين واحدة من الأم والأخرى من الأب ويتم دمج صفاتهما بشكل مشترك ، بما يجعل الكائن خليطاً حيوياً من عائلتين مختلفتين وبالتالي فإنه يمتلك مقدرة عالية على التكيف .
وهناك بعض الأحياء يمكن أن تتبادل الأدوار بين التكاثر الجنسي والتكاثر اللا جنسي مما يؤمن أحياء ناتجة عن التكاثرين ، فالأحياء تمتلك مقدرة عالية على إنتاج ذاتها بالتكاثر وتأمين بقائها في مجال النشوء الحي .

المر جع المعتمد :
إرينا كاروزينا : مبادئ البيولوجيا – دار مير للطباعة والنشر - موسكو – 1982.

ليست هناك تعليقات: