الأربعاء، 29 أكتوبر 2008

ظواهر الكائنات الحية

















1- الانجذاب والتأثير :
الانجذاب الحركي للكائنات النباتية الثابتة ميزة مبتكرة وضرورية للتجاوب مع المتغيرات البيئية والطبيعية والظروف الطارئة ويمكن أن يحدث الانجذاب والتأثير في مجالات مختلفة ومتعمقة في الوجود الحي ، فإذا توافق انجذاب الكائن مع المنبه يسمى انجذاباً موجباً وإذا ابتعد عن المنبه يسمى انجذاباً سالباً ، والقضية الأساسية في الانجذاب هي تركز النمو في منطقة الجذب السريع وإحداث إنقسام سريع للخلايا الحية بما يؤدي إلى تطاولها الفوري والسريع . و يمكن أن يحدث الانجذاب باتجاه مصدر الشمس فيسمى في هذه الحالة بالانجذاب الضوئي ، وقد يحدث الانجذاب نحو الجاذبية الرضية فيسمى بالانجذاب الأرضي ، وفي عالم النبات مسائل كثيرة ومتنوعة تؤكد علاقة الكائن بالانجذاب والتأثير بالظواهر المختلفة ، فنبات عباد الشمس تتجه وروده باتجاه دوران الشمس وتتفتح أزهار الورد الجبلي نهاراً وتقفل مساءً وورد عطر الليل تتفتح ليلاً وتتوقف عن إفراز رحقيها نهاراً ، وهناك نباتات تتأثر بحاسة اللمس فحشيشة الندى التي تنمو في المستنقعات الفقيرة بالآزوت تتغذى على بعض الحشرات من خلال إفراز مواد لاصقة على أوراقها تشبه حبات الندى فإذا ما وقفت عليها حشرة التصقت بها وتنكمش وريقاتها لتنطبق على الحشرة وتقوم بامتصاص محتوياتها وإذا ما وضعنا عليها الحصى فإنها لا تنكمش ، بما يؤكد بأن الانجذاب والتأثير لديها موجه قائم على نوعية العوالق على أوراقها .
فالحركة الموجهة قائمة في النباتات وبعض خلايا الكائنات الكثيرة الخلايا مثل خلايا الجهاز التناسلي الذكري أو ما يسمى بالحيوانات المنوية فإنها تنجذب في الوسط المناسب باتجاه البيضة .
فأي مصدر للحرارة قد يجذب إليه الحيوان الهدبي أو الآميبيا وعندا ترتفع درجة الحرارة أكثر من قدرة الكائن على التحمل فإنه يقوم بالانجذاب العكسي مبتعداً عن مصدر الحرارة ، فالانجذاب والتأثير هما أبسط أشكال الانفعالات لدى الكائن الحي والوسط المحيط به ، وهي من أبسط أنواع التكيف الملائمة للتغيرات الجارية في الوسط الخارجي ، إنها ظاهرة عمقت وجودها أثناء عمليات التطور التاريخي لهذه الكائنات الحية في الأوساط المناسبة ، إنها الصورة البدائية والأساسية لوظائف الجهاز العصبي .
2 - غرائز الكائنات في مجال نشوءها:
الغريزة صفة وراثية مقعدة تحمل الكائن الحي للقيام بأعمال ضرورية لبقاءه حياً ، ومن خلال الغرائز تحافظ الكائنات على تفردها النوعي في وسطها الطبيعي ، فهجرة الكثير من الأسماك لمسافة آلاف الكيلومترات لوضع البيض هو نشاط غريزي غايته تأمين النوع وتكاثره ، وفي مجال الطيور توجد غرائز غنائية مقعدة تقوم بها الذكور في موسم التزاوج ورعاية الأعشاش ، فالتلازم الغريزي في حياة الكائنات الحية يجعلها اكثر جدارة لمطابقة الحياة مع نظامها الذاتي . فالطائر البستاني في نيوزيلاند يبني تعريشة على شكل خيمة أو مظلة ويهندس أمامها حديقة صغيرة يزينها بالأزهار الطازجة ذات الألوان الزاهية والثمار والريش الملون والحشرات ، إنها فعالية فائقة غايتها جذب الأنثى إلى بيت الزوجية والإنجاب .
وهناك أعمال باهرة يقوم بها الطائر الاسترالي بالميلي ، حيث يعمل حفرة عمقها حوالي متر وعرضها خمسة أمتار يضع فيها الأوراق الرطبة ويغطيها بالرمل ، وفي أوقات الحرارة العالية من السنة تتفعن الأوراق وترتفع درجة حرارتها وتسخن الرمال فوقها وعند انخفاض الحرارة إلى المعدل الضروري تقوم الأنثى بوضع البيض على الرمال ، ويقوم الذكر بتقليب الأوراق لتأمين واقع حراري مناسب ، فإذا انخفضت الحرارة قام برفعها بسلوك معين وإذا ارتفعت يقوم بخفضها بسلوك أخر ليحافظ على درجة حرارة ثابتة قادرة على تأمين فرص تشكل الأجنة داخل البيوض ، وإذا ما تدخل الإنسان لرفع درجة حرارة الرمل في الحفرة بالتسخين الكهربائي فإنه يقوم على الفور بتبريدها وعندما يعجز عن ذلك فإنه يهجر العش ويذهب .
وهذه الغرائز المقعدة والمتطورة تجلب منافع كثيرة للناس حيث يقوم النحل غريزياً بجمع رحيق الأزهار والورود طول فترة الإزهار ويقوم بتخزينها عسلاً لذيذاً وغذاءً مفيداً للإنسان ، وهناك نوع من النمل الأبيض يقوم بفلاحة الأرض وتسميدها بنفاياه ويضع عليها ميسيليم الفطر ومع نمو الفطر يقوم النمل بالتغذية عليه ، وعندما تطير إناث النمل للتقليح لأول مرة تأخذ معها قطعة صغيرة من الفطر لكي تجذب الذكور نحوها .
فالغرائز هي صفات معقدة للحيوانات نابعة من الضرورات الحية لوجودها وتطورها والمحافظة على حياتها الخاصة ولكل نوع غرائزه الخاصة به ، فقد نشأة هذه الغرائز وفقاً للضرورات البيئية والحيوية للكائن الحي وهي بفاعليتها النوعية والمحيرة قادرة على إعداد التكيف المناسب للكائنات مع الوسط الطبيعي في مجال النشوء الحي .
3 – بعض أشكال الحركة والتحرك عن الكائنات الحية :
التغيرات الحركية تغيرات تلاؤمية تتوافق مع أوضاع الكائنات الحية المختلفة ، والنظام الحركي يميز الكائنات بفعل حركتها ومدى عمق تطورها وتكيفها مع المحيط حولها ، لأنه يعزز القدرة الضمنية للكائنات الحية في مدى تجاوبها للمؤثرات الخارجية وعمق بنيتها الفاعلة ومدى قابليتها لتقبل المتغيرات الطارئة على بنيتها العضوية .
هناك أشكال من الحركة البسيطة لدى الكائنات البسيطة نابعة من عوامل بيئية كحركة الرياح واندفاع الماء ، إنها الحركة المتزامنة مع نشوء عوامل طبيعية مساعدة لحركتها في الوسط التي تعيش فيه .
وهناك كائنات تمتلك مقدرة على الحركة النشيطة والفاعلة مبنية على الاستقلالية النسبية والكلية وهي تخص جميع الحيوانات القادرة الاعتماد على نفسها في تأمين مطالبها الضرورية .
فلو انطلقنا من اسفل البنية الحية باتجاه الصعود ، لوجدنا بأن بعض الكائنات الدقيقة مزودة بزوائد تعطيها القدرة على الحركة والانتقال مثل الحركة الأميبية التي تنتقل اعتماداً على أرجل كاذبة وهي نتوءات تفرزها السيتوبلازما تكب فيها محتويات الخلية .
والنوع الأخر من الحركة هي الحركة بواسطة الأهداب وهي متأصلة في كل الحيوانات الهدبية مثل الباراميسيوم وهي عبارة عن زوائد رفيعة جداً يقوم بحركة تشبه حركة مجاذيف الزورق لتعطيها اندفاعاً نحو الأمام ، تليها مباشرة الحركة السوطية وهي الحركة بواسطة الأسواط ، والسوط عبارة عن عضو أولي يتحرك تلقائياً ليدفع الكائن نحو الأمام ، وهو يختلف عن نظام الأهداب كونه يلتف حول السائل بشكل دائري ويجر ورائه جسم الحيوان ، إنها حركة تقوم على الإحاطة والجر .
أما الحيوانات الأرقى فإنها مجهزة بأعضاء حركية مقعدة تقوم بأداء حركات مختلفة ومتباينة ، غير أن العلاقة بين الوسط والكائن علاقة متداخلة ، لأن الوسط الحاوي على الكائنات الحية يميز حركتها وفقاً لطبيعته ، فالوسط المائي يعزز القدرة على نمو وتطور أعضاء خاصة بالسباحة كالزعانف مثلاً ، وهناك كثير من الحيوانات تعيش على سطح الأرض طورت خصائص عضوية تمكنها من القفز المتواصل والسريع مثل الجراد والضفدع والكنغر ، كما أن القرود مجهزة بأعضاء متطورة جداً تساعدها للتسلق على الأشجار وهي أطراف ماسكة ، كما أن الحشرات والطيور لها أجنحة تساعدها على الطيران والتحرك السريع في الجو ، أما أرقى الكائنات الحية وهو الإنسان فإنه مزود بأرجل للمشي والتنقل السريع وأيدي ماهرة تقوم بإدق الأعمال وأكثرها صعوبة ، فقد قامت بإنشاء السدود والطرق وإقامة المدن الضخمة ، وقامت باختراع أدوات إلكترونية مقعدة وحاسبات ذكية وصنعت مركبات تجوب الفضاء ورسمت اجمل اللوحات وعزفت أعذب الأنغام ونسخت أعداد هائلة من الكتب في مختلف ميادين المعرفة الإنسانية .
4 – القدرة على التجدد في نظام الكائنات الحية :
القدرة على التجدد من خصائص الوجود الحي لأن طبيعتها البنيوية تمتلك فعالية ذاتية تمد الكائن الحي بالتعويض الدائم للأجزاء التالفة من وجوده وبالتالي إمداده بالنشاط والحيوية المنطلقة من بنيته ، ويمكن أن نلاحظ نوعين من التجدد عند الكائنات الحية .
أولها التجديد الوظائفي ويقوم على استبدال الخلايا التالفة والمستهلكة أثناء عمليات النشاط الحيوي لمهامها الأساسية ، فالتكوين المستمر لخلايا الدم والطبقات السطحية من الجلد تمد الكائن الحي بقدرة فائقة على التكيف والاستمرار في الحياة مدة أطول أن صناعة البدائل الحية تساعد على ردم الفجوة الحاصلة في حياة الكائن وتمده بالطاقة الضرورية للحياة .
وثاني هذه الوظائف هو التجديد الإصلاحي والتعويضي ، وهو التعويض الناتج عن فقدان الأعضاء التالفة أو المبتورة ، فالتعويض ظاهرة عامة تلازم كافة الكائنات الحية ولكن بصورة متباينة ، فكلما زادت الأحياء تعقيداً ضعفت قدرتها على التجديد والتعويض ، في الأحياء الدقيقة يتم تجديد أعضاء كبيرة من جسمها ، فدودة الأرض تمتلك إمكانية تجديد قسم كبير من جسمها ، والكثير من الأحياء كالديدان المفلطحة والمفصليات والشوكجلديات تمتلك مقدرة عالية على تجديد القسم الأعظم من جسمها ، فقنديل البحر يمكن تجديد كامل جسمه من زراع واحد ، أما الحيوانات الفقارية فيمكنها تجديد عضواً بأكمله فالسمندر والسحالي تنقذ نفسها بقطع الطرف أو الذيل الذي يمسك به العدو وتقوم على تعويضه من جديد ، أما الحيوانات الثديية فيمكنها أن تجدد تلف بعض الأجزاء الداخلية من جسدها مثل الكبد والطحال والمعدة ، ومع تطور الأبحاث الجارية في ميدان الهندسية الجينية فقد يتوصل العلماء إلى إمكانية إنتاج أعضاء بكاملها ويمكن أن يتوصلوا على إمكانية تخليق أحياء راقية ومتطورة تمتلك مقدرة على التجديد الذاتي والتعويض التلقائي لأجزاء كاملة مفقودة من جسمها ، فالإمكانيات العلمية في تزايد والقدرة على الاكتشاف مستمرة ونامية باستمرار والعلم يتطور ويمتلك إمكانيات التوصل إلى فعاليات عالية في مجال العلوم الطبيعية وتنظيم مجال النشوء الحي .
5 – التكاثر في نظام الأحياء :
التكاثر هو أحد الصفات الضرورية للكائنات الحية غايته الأساسية هي الحفاظ على النوع واستمراره في مجال النشوء الحي ، وهناك نوعين من التكاثر في نظام الأحياء .
أولها التكاثر اللاجنسي وتقوم آليته على فصل الجسم الوليد عن جسم الأم بالكامل ليتابع وجوده في الوسط التابع له ، وفي الحيوانات الكثيرة الخلايا يتكون جسم الوليد من مجموعة من الخلايا التي كانت جزءً من خلايا الأم ويمكن أن ينتج عدد كبير من الأبناء عن عائلة الأم الواحدة وهذا النوع من التكاثر منتشر في الكائنات الحية البدائية .
أما الثاني فهو التكاثر الجنسي وينتج عن اندماج خليتين جنسيتين خاصتين واحدة من الأم والأخرى من الأب ويتم دمج صفاتهما بشكل مشترك ، بما يجعل الكائن خليطاً حيوياً من عائلتين مختلفتين وبالتالي فإنه يمتلك مقدرة عالية على التكيف .
وهناك بعض الأحياء يمكن أن تتبادل الأدوار بين التكاثر الجنسي والتكاثر اللا جنسي مما يؤمن أحياء ناتجة عن التكاثرين ، فالأحياء تمتلك مقدرة عالية على إنتاج ذاتها بالتكاثر وتأمين بقائها في مجال النشوء الحي .

المر جع المعتمد :
إرينا كاروزينا : مبادئ البيولوجيا – دار مير للطباعة والنشر - موسكو – 1982.

تبادل المواد بين الكائنات الحية


















1- مفهوم الحياة :
الحياة ظاهرة معروفة في المجال الأرضي كنظام متكامل من فعاليات تملك طاقة معبرة عن ذاتها في دخول مكونات عضوية بنيتها الأساسية قائمة على التواصل والتكاثر الذاتي ضمن نظام حيوي فاعل في بنيتها يجعلها مغايرة تماماً للمادة غير الحية ، كما أن حقيقتها ليست سهلة بالقدر المعتاد ، فالقدرة على الحياة يدخل في صميمها صفتان أساسيتان أحدهما وجود البروتينات والأحماض النووية والثانية هي القدرة على القيام بعمليات التمثيل الغذائي .
فالتمثيل الغذائي المستمر مع البيئة الخارجية شرطاً أساسياً للنشاط الحيوي للكائنات الحية ، فكل وجود حيوي سواء أكان خلية أو جزء من كائن أو الكائن كوحدة متكاملة في علاقة تبادل مستمر مع البيئة المحيطة به ، فالتبادل الغذائي في الوسط الحيوي هو الشرط الأساسي لوجود وتجدد الكائنات الحية كما أن القدرة على التكاثر وإنتاج أفراد يحملون الصفات والقدرة على التجديد والتلائم والتكيف ، كما أن الكائنات الحية تمتلك قدرة على التنبيه والحركة نابعة من قدرة الكائن على إتمام التمثيل الغذائي ، فالحركة قائمة في الوجود بدون حياة فجزئيات الماء والهواء في حالة من الحركة الدائمة والاليكترونات والجسيمات داخل الذرة في حالة حركة مستمرة ، كما أن الكواكب هي نظام من الحركة الدائمة ، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن اعتبارها ضمن نظام الحياة .
هناك أنواع حية تتصف بالسكون الظاهري مثل بذور النباتات تكون في حالة سكون ولا يظهر عليها النشاط الحي إلا بعد وضعها في تربة رطبة تعيد إليها النشاط الحي وبعض الحيوانات يكون التمثيل الغذائي لديها ضعيف عندما توجد في حالة سبات ولا تظهر عليها سمات الحياة إلا بعد تزايد النشاط الحراري حولها ، فالتحديد الواضح لمفهوم الحياة يقودنا إلى أن الحياة هي طريقة وجود وعيش الأجسام البرية والمائية والهوائية القائمة على التجدد المستمر لكامل المكونات الكيماوية لهذه الأجسام .
فالحقيقة الحية حقيقة فاعلة ومتغيرة ونشطة تمتلك بنية عضوية مكونة من مركبات عضوية متفاعلة تستخدم الطاقة الحية في بناء وجودها وتلفظ الفضلات والحرارة ، إن ميزاتها الحية نابعة من قدرتها الضمنية لتحقيق فعالية مغايرة في وجودها للنظام غير الحي .
2- الحدود الفاصلة بين المادة الحية والمادة غير الحية :
الحلقة الهامة والانتقالية الفاصلة بين عالم الحياة واللا حياة هي الفيروسات لأنها غير قائمة على التمثيل الغذائي في عملياتها الداخلية والحيوية غير أنها صورة أولية من البروتينات فخصائصها الغير حية تجعلها غير قادرة على التنفس ولا تمتلك تركيب خليوي يجعلها قادرة على إجراء العمليات التفاعلية الحية وليس لها نواة ولا سيتوبلازما ولا أعضاء خلوية وغير قادرة على التكاثر خارج الجسم المضيف ، أما الخصائص الحية في وجودها تتمثل في قيامها بعمليات التكاثر ونقل الصفات داخل الجسم المضيف وهي قادرة على إحداث خلل في بنيته بما يؤدي إلى حدوث أمراض فتاكة وقاتلة كالسل والإيدز وغيرها وتمتلك خاصية المقاومة الهائلة للتغيرات في مجرى وجودها ، فإذابة هذه الفيروسات وإعادة ترشيحها يجعلها قادرة على الحياة من جديد فخصائصها البنيوية قادرة على أن تعيد نفسها في ظروف مناسبة لوجودها ، والجدل الدائر حول وجودها يتمحور حول قضية منشأها ، فهل الفيروسات في العصر الراهن نفسها الفيروسات البالغة القدم والتي كانت هي الحد الفاصل بين الحياة الحية وغير الحية أم هي ظاهرة نشأة داخل الخلايا الحية للكائنات بعد تشكلها ، لأن الفرق في التكوين يقودنا إلى استنتاجات مغايرة لما هو مقرر حول نشأة الحياة وتطورها اللاحق في مجال النشوء الحي .
3 – عمليات التمثيل الغذائي وطرح الفضلات :
عمليتا التمثيل والطرح مترابطتان ومنسجمتان في الكائنات الحية لأن وجود أحدهما يتضمن وجود الأخرى ، فعملية التمثيل تقوم على استهلاك وتحويل كافة العناصر الداخلة إلى الخلية الحية إضافة إلى الطاقة الحرة ، إنها جميع العمليات الجارية لتحويل المواد العضوية والمعدنية والأكسجين والماء وغيرها ويتم طرح المواد الناتجة عن التحويل عبر طرق مختلفة ، ففي الكائنات الحية الراقية يتم طرحها عن طريق العرق والبول والبراز وبالتالي فإن الأحياء جميعاً تقوم على التبادل الحيوي بين الكائن والوسط الطبيعي ، فالكائن يأخذ من الوسط لوازمه الغذائية ويعطيه نواتج الإطراح .
ويمكن لكائنات حية كثيرة أن تعيش على نواتج إطراح كائنات أخرى تقوم بالتغذية على نواتجها وتحليلها ، فالسلسلة الترابطية عند الأحياء وثيقة الصلة ، فأي خلل في نظامها المحكم يؤدي إلى واقع يؤذي حياة الكائنات الآخرى ، لأن واقع الترابط بين الكائنات الحية يوفر مجالات هامة لوجود الأحياء وتطورها .
4 – التحولات الغذائية وخصائصها في بنية الكائنات الحية :
جميع التحولات القائمة في عمليات التحويل الغذائي تتراوح بين الفاعلية الشديدة والنشيطة في بعض الكائنات ، وانخفاض قدرة التحويل في كائنات أخرى .
وتكون عمليات التمثيل الغذائي على درجة عالية من التخصص فهي تختلف داخل أفراد النوع الواحد من الكائنات الحية ويمكن أن تكون هذه الاختلافات ذاتية ومتمايزة في الفرد الواحد ، إنها تختلف في كل جهاز من أجهزة الكائن الحي ، ويمكن أن تتأثر بمظاهر مختلفة تبعاً لنظام الحياة وموقعها وظروفها المناخية والظرف الزمني ، فالعمر يؤثر على عمليات التمثيل الغذائي فهي أكثر نشاطاً وتحريراً للطاقة في الكائنات الحديثة العمر عنها في الكائنات المتقدمة في العمر ويمكن أن تتأثر بالظروف الموسمية ، ففي أوقات معينة يكون النشاط الغذائي أضعف منه في فصول أخرى كما أن وجود الرطوبة والحرارة المناسبة تنشط عمليات التمثيل الغذائي عند النباتات ، وينخفض التمثيل الغذائي في الحيوانات عند مرورها بمرحلة السبات الشتوي فدرجة الحرارة التي يفرزها الجسم تعتبر دليلاً هاماً على مدى نشاطه الحيوي وفاعلية التمثيل الغذائي في خلاياه ، فحيوانات الدم البارد لا تستطيع تأمين الوسط المناسب لعمليات التمثيل الغذائي في بنيتها ويرتفع هذا النشاط بارتفاع درجات الحرارة فيزداد نشاطها وتتغير ملامحها الحركية ، وتصبح أكثر فاعلية مع تزايد درجات الحرارة بالارتفاع ، ويقل نشاطها كثيراً في الظروف الباردة ويصل إلى درجة الخمول أو السبات .
أما الحيوانات ذات الدم الحار فإنها قادرة على تأمين الحرارة عن طريق الفعل الذاتي ، إنها تقوم بعملياتها الحيوية وكافة أنظمة التمثيل الغذائي في أجواء من الحرارة توفرها ذاتياً ، إنها خاصيّة نشأة عنها صيغة تنظيم نشاط العمليات الأساسية للتمثيل الغذائي غير أن هذه الواقع له حدود ، فيمكن خفض هذه القدرة عند تعريض الكائنات للتبريد المفاجئ فيقل نشاطها ويقل استهلاكها للأوكسجين والطاقة .
فالعلاقة الحيوية للكائنات الحية مرتبطة بشكل وثيق بظروف تواجدها ، وإن قدرتها الظاهرية ناتجة عن الظروف المناسبة لهذه الحياة ، وإن حدوث تغيرات جوهرية في مجال النشوء الحي قد يعرض الكثير من الكائنات للانقراض نظراً لعدم قدرتها على التلاؤم مع الظروف المستجدة والقاهرة فتغيير نسبة الملوحة في بعض البحيرات نتيجة رمي النفايات والمخلفات الصناعية وغيرها من المواد الضارة يؤدي إلى الإخلال بالنظام الحيوي لوجود الأحياء فيها ويجعل الأحياء غير قادرة على تخليق مواد بنائية في أجسامها فتختنق وتموت .

علاقة علم الحياة بمجال النشوء الحي

















الحياة نشوء مستمر متعاقب الأنماط والتنوعات والأشكال لأن الحياة واقع مفتوح على الكون وهي إحدى خصائصه الأساسية . فعلم الحياة يتعمق في مجال وعيه ليدرس كافة أنماط الحياة وأشكالها وقوانينها ، وعندما يتمكن من معرفة القوانين الجوهرية للحياة سيكتشف النظم القابلة لإحتواء الحياة ، لأن مجال المعرفة القائمة على العلم تتحدد وفق منظور قائم على الخصائص الأرضية لوجود الحياة ، فالواقع الأرضي مرتبط بالحياة النمطية الكائنة في وجوده وهي قائمة على التفاعل بين المحيط الضامن لوجود الحياة وبين الكائنات الحية فكل الميزات والخصائص تجعل الواقع الحي يسير ضمن اتجاه موحد وهذا ما يؤكده العلم الخاص بدراسة الحياة في المجال الأرضي ، إنه يقوم بدراسة جميع الكائنات إبتداءاً من الفيروسات البدائية جداً وصولاً إلى الإنسان أرقاها وأكثرها مقدرة على التكيف وصناعة الأنماط والمنشأة والنظم وكافة البرامج المؤدية لتأمين أفضل الظروف للنمو والتطور .
فعلم الحياة يدرس مختلف الكائنات الحية في تطورها وتغيراتها المستمرة ومظاهر نشاطها الحي وعلاقتها بالوسط البيئي المحيط بوجودها . فالعوامل والعلاقات المتفاعلة مع الوجود الحي تجعله وثيق الارتباط بالمؤثرات الخارجية المحيطة بوجوده لأن وجوده المرتبط بها يتكون وفقاً لمقتضياتها أثناء ظهوره ، فيخرج وجوده مطابقاً لمؤثراتها ويتكيف مع متغيراتها المرتبطة بنظامها المتبع في مجال النظام الشمسي التابع لمقتضياته .
علم الحياة يدرس إحدى جوانب العلوم الطبيعية ويتعمق في المسائل الحيوية الداخلة في نظام الحياة ، وأساس تكوين الأحياء وتطورها وعلاقاتها التبادلية ، فهو علم متسع يغطي مجالاً واسعاً من المعرفة الإنسانية ، وفي تطوره اللاحق سيؤدي حتماً إلى معرفة علمية تفوق التوقع ويمكن أن يصل إلى معرفة النظم الكونية القابلة لإحتواء الحياة ، وقد يتوصل إلى مفارقات مذهلة في معرفة جميع النظم الحية في الكون والأساس التكويني لظهور الحياة وتطورها ، ويمكن أن يتوصل إلى تخليق حياة جديدة خارج نظامها الطبيعي ، إنه يؤسس بنية علمية قادرة على تعميق الوجود الحي وإعداد حقائق مذهلة عن طبيعة الحياة وكيفية تطورها اللاحق .
ويشتمل علم الحياة على علوم فرعية مستقلة بذاتها ومتخصصة في ميادين مختلفة من وجوده ، كعلم التطور المختص بدراسة التغيرات والتبدلات الجارية على الأحياء وعلاقة هذه التغيرات بالوسط البيئي ، ويدرس الكائنات المنقرضة والمتحجرة في طبقات الأرض المختلفة ويتعمق أكثر في معرفة نظام الكائنات الحية السحيقة في القدم ، فعلم المستحاثات هو العلم المكتشف للتوضعات الحية في طبقات الأرض وإدخالها إلى نظام التاريخ الحي ، كما أن علم الوارثة له دور في معرفة انتقال الصفات الوارثية يبين الأجيال ويمكن أن يتعمق كعلم قادر على اكتشاف الأساس التكويني لمجمل اللغة الوراثية ومعرفة كافة المؤثرات والخصائص الداخلة في نظامها ، إنه علم يرتفع بالتجارب لتحقيق غايات تنسجم مع الطموح الإنساني في معرفة كافة الوسائل والأساليب القادرة على تفعيل النشاط الحي ، وتأمين السلامة الفعلية لهذا النشاط في واقع التناقض الصارخ .
فالتلازم الواضح بين علم الوراثة وعلم الأجنة يعزز قدرة الخلق ومعرفة جميع المتغيرات الجارية على تكوين الكائن الحي والمراحل المتتابعة لتطور الكائن في الوسط الطبيعي ومدى القدرة على تحقيق تزايد مطرد لعمر الأجيال وبالتالي تأخير الإنهيار في بنية الكائن وإطالة عمره أكثر .
علم الحياة علم متعمق في معرفة البنى الداخلة في نظامه إنه يدرس المظاهر الشكلية للأعضاء وصفاتها الظاهرية ، إنها المظاهر المورفولوجية للكائن الحي وسماته الهيكلية العامة القائمة على الملاحظة الدقيقة لكامل البنية العامة للكائن وتصنيف الأحياء إلى مجموعات ومراتب متخصصة بوظيفة معينة أو تمتلك صفات ظاهرية معينة مثل ( الرخويات - الفقاريات – الثدييات ) وهذه التصنيفات متعمقة في بنية الوجود لأنها تؤدي إلى الوصف التبايني للأحياء في خصائصها النوعية .
أما الوظائف الحيوية لأعضاء الكائنات الحية وبنيتها التفاعلية ونظامها المتكامل في تحقيق الإنسجام الداخلي لتأمين البقاء الحي للكائن وقدرته على التفاعل مع الوسط الطبيعي والبيئي فإنها تدخل ضمن نظام علم الوظائف أو ما يسمى بعلم الفيزيولوجيا ، لأنه العلم المسؤول عن دراسة العمق التكويني لبنية الأعضاء والتبادلات الجارية فيما بينها ، مما يوسع الارتباط بين علم المظاهر الشكلية وعلم الوظائف البنيوية للكائن الحي ويعمق المحتوى الإجمالي للمعرف الصادرة عن علم الحياة .
ويمكن أن يتعمق علم الحياة في دراسة مسائل أكثر جوهرية تقوم على معرفة التبدلات والتغيرات الكيميائية والنظام الترابطي للتفاعلات الحية داخل الأنسجة والخلايا في المحيط العضوي ، فينشأ عن هذه الدراسة علم الكيمياء الحيوية لأنه مخصص للتفاعلات الجارية ضمن نظام كيميائي حيوي على درجة عالية من الجاهزية والقدرة على توليد مركبات متناسبة مع وضع الكائنات الحية ومعرفة التغيرات الوظيفية للكائن الحي من خلال هذه التفاعلات وبالتالي تتحد الفيزياء مع الكيمياء الحيوية لإعطاء العمليات الجارية ضمن نظام الفيزياء الحيوية والبيولوجية لأنها تفيد الترابط المتناسق بين ما يجري من مؤثرات وبين ما يجري من تفاعلات ، وهذا ما يعطي الدليل على أن الحياة نظام متداخل في قدراته الموضوعية الدائمة التفاعل والمعدة لتأمين حياة نمطية بخصائص جوهرية قائمة على طاقة الإبداع الخلاق ضمن علميات النشاط الحيوي .
فعلم الحياة العامة ( البيولوجيا ) يدرس كافة قوانين الحياة الجارية وتطور الأحياء المتتابع والنظم المختلفة للأحياء وكافة الخصائص الكاملة للكائنات الحية الدقيقة والنباتات والحيوانات والإنسان ضمن مجال النشوء الحي .
علم الحياة في عصرنا الراهن هو القاعدة الأساسية والكلية لجميع العلوم التي تدرس الحياة وظواهرها المتنوعة ، إنه علم يتضمن العلوم الطبيعية بكافة اختصاصاتها النظرية والتطبيقية ومجمل البنية العامة للحياة بما في ذلك العلوم الصحية والوقائية ومختلف المؤثرات على الوجود الحي كالطفيليات والمواد السامة والفيروسات وكل ما يتعلق بالأساس البنيوي والتكميلي وحتى التجميلي لكل ما هو حي ، إنه علم متوافق مع وجوده وضمن نظام معرفته وعمق قدرته للبحث في الواقع الإجمالي للنشاط الحي ، كما يؤدي إلى تأمين البدائل الضرورية لما هو سيئ في نظام الحياة من خلال الكشف التعويضي والكشف القادر على القضاء لكل ما يؤدي لتخريب البناء الحي وكافة النظم الحية القادرة على إنهاك أو إتلاف المظاهر المتنوعة للأجيال . إنه العلم الموجه للحياة ومنقذها من جميع الأمراض الفتاكة القادرة على تعميم وجودها الفاعل ضد نظام الأحياء الراقية ( كالسل – والسرطان – والإيدز ) وغيرها من الأمراض المتتابعة في الانتشار مع التقدم الإنساني ضمن أجواء خالية من الاحترام والتفاهم المتبادل بين الإنسان ومحيط النشوء الحي .
هناك اتصال وثيق بين العلوم الزراعية وعلم الحياة لأن الواقع الزراعي يتبادل التأثير مع علم الحياة في نواحي متعددة ابتداءً من التنوع الحيوي المرافق للتنوع الزراعي وقدرة الأحياء على التأثير في الواقع الزراعي ودخول نظام الحشرات والأحياء الضارة به وضرورة تأمين نظام المكافحة الحيوية القادرة على إعطاء نظام حي قادر على التفاعل المباشر بين الأحياء القائلة للأحياء القاتلة للنبات والمزروعات وبالتالي تأمين واقع مناسب من المكافحة الحيوية في نظام بيئي حديث ومتطور يغني الوجود في إمكانياته الزراعية والحيوية المنشطة لنظام الزراعة الطبيعية كما أن علم الحياة يوفر السبل الكفيلة بإعداد إنتاجية حيوانية قادرة على تكميل المتطلبات المتزايدة للنمو السكاني وقدرة الحصول على أصناف جديدة ومحسنة من الحيوانات الأليفة قادرة على إنتاج عالي النوعية والفائدة في المجالين الزراعي والحيواني وتأمين أنسب الظروف للملائمة والتكيف في مجال النشوء الحي الخالي من المؤثرات الضارة بالحياة والبيئة .